يعد القطاع العقاري واحدًا من أكثر القطاعات الحساسة لسياسات الفائدة؛ لاعتماده بشكل كبير على القروض العقارية لتمويل شراء وبيع وبناء العقارات. وقد كان لرفع أسعار الفائدة خلال عامي 2022 و2023 تأثيرات سلبية على العقارات بعد أن أصبح الاقتراض أغلى؛ ما خفض الطلب على العقارات وتسبب في تراجع النشاط العقاري.
ومع الاتجاه إلى خفض أسعار الفائدة في 2024، يمكن أن يؤثر ذلك بشكل أكبر على الأفراد الراغبين في الشراء بهدف السكن أو الاستثمار ويدفعهم للشراء ما يؤثر بدوره على الشركات وزيادة الاستثمار في العقارات، كون تراجع الفائدة يجعل الإقراض أرخص والبنوك أقل جاذبية.
وبسبب أزمة التضخم المتسارع التي تفاقمت مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، اتجهت البنوك المركزية في العالم إلى رفع أسعار الفائدة منذ 2022 للحد من تداعياتها إلا أن ذلك أثر سلبا على أسواق العقارات عالميًا.
بنك إنكلترا كان أول من بدأ هذه الخطوة في ديسمبر 2021، عندما رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، تلاه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في مارس 2022 بزيادة مماثلة.
وفي يوليو 2022، قرر المركزي الأوروبي اتباع سياسة نقدية تشددية برفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهو أول ارتفاع للفائدة الأوروبية منذ عام 2011، في إطار سعي البنك لخفض التضخم عند اثنين بالمئة.
وتماشيًا مع التوقعات، قرّر الفيدرالي الأميركي في اجتماعه الأخير خلال 2023، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، لتظل الفائدة في الولايات المتحدة في نطاق بين 5.25 و5.50 بالمئة، متوقعا خفضها بـ 75 نقطة أساس في العام 2024، وتراجع معدل تضخم إلى 2.4 بالمئة.
ورجّح بنك غولدمان ساكس، أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي، في خفض سعر الفائدة في الربع الثاني من 2024، في حين توقّع دويتشه بنك، هذا الشهر، أن يخفض الأوروبي الفائدة بنسبة 0.5 بالمئة في اجتماعي أبريل ويونيو 2024، ومن ثم بنسبة 0.25 بالمئة في اجتماعي سبتمبر وديسمبر؛ بواقع 150 نقطة أساس، وذلك بعد تراجع التضخم في منطقة اليورو إلى 2.4% خلال نوفمبر المنصرم.
وأعلن بنك غولدمان ساكس، عن توقعاته لموعد خفض بنك إنجلترا لسعر الفائدة من يونيو إلى مايو، مع استمرار حجم التخفيض بمقدار 25 نقطة أساس في كل اجتماع حتى يصبح سعر الفائدة 3 بالمئة في مايو 2025.
يترقب القطاع العقاري تلك التطورات ومدى انعكاسها على الأسعار عموما، وكذلك على العرض والطلب.
زيادة الطلب
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن تأثير أسعار الفائدة على الإقراض لا يمكن إنكاره، موضحا أن من بين أهداف رفع أسعار الفائدة تخفيض الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري بما في ذلك بقطاع العقارات، الأمر الذي قلل الطلب عليها، ما أسهم في تخفيض معدلات التضخم، ومن ثم التفكير في البدء في تخفيض أسعار الفائدة.
وأشار عايش إلى أن الرواج العقاري في الولايات المتحدة وحول العالم كان من الأسباب الرئيسية في الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والتداعيات الاقتصادية التي ترتبت عليها وأسعار الفائدة التي اقتربت إلى الصفر تقريبا في الولايات المتحدة وأوروبا بل وحتى أنها كانت سلبية في اليابان، ما أغرى الكثيرين إلى العودة مرة أخرى لطلب القروض والإنفاق على العقارات.
وأضاف بأن البدء في دورة تخفيض أسعار الفائدة -رغم ترك الفيدرالي الأميركي الباب مواربا لإمكانية رفع الفائدة إذا ما بقيت معدلات التضخم أعلى من المرغوبة عند 2 بالمئة- سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الطلب على القروض ومن بينها القروض العقارية، التي ترتبط بسلسلة من العمليات المصرفية والتجارية والائتمانية الأخرى، موضحا أن القطاع العقاري بحد ذاته يعد محركًا لعشرات القطاعات الأخرى، وبالتالي فإن أي حركة في القطاع العقاري ستؤثر بالضرورة على وتيرة الأداء الاقتصادي.
ولفت عايش في هذا الصدد، إلى أن التباطؤ الاقتصادي أو عدم اليقين في الصين، كان السبب الرئيس فيه هو تراجع أداء القطاع العقاري والفقاعة العقارية التي ما زالت الصين تحت وطئتها، ما دفعها لتخفيض أسعار الفائدة على القروض العقارية وتثبيتها لفترات أطول من المعتاد في محاولة لإعادة النشاط والنمو الاقتصادي والذي لم يحدث إلى الآن وتراجع في ظله الطلب على النفط.
أسعار الفائدة
وأكد عايش أن:
انخفاض أسعار الفائدة سيكون محركًا مهمًا للطلب على العقارات، وبالتالي سيؤدي إلى تنشيط حركة التداول العقاري في السوق الأميركية والأسواق العالمية الأخرى التي ستحذو حذو البنك الفيدرالي.
البنوك المركزية والإدارات الاقتصادية حول العالم تحاول دائمًا الحفاظ على التوازن بين الرواج الاقتصادي والركود الاقتصادي من خلال التحكم في أسعار الفائدة وغيرها من الأدوات الاقتصادية، بحيث تحافظ على مكتسبات وتطلعات الأسر لامتلاك منزل أو بيع عقار، ومن ثم الإبقاء على وتيرة الأداء الاقتصادي من خلال القطاع العقاري مستداما.
الاقتصاد الأميركي واقتصادات عديد من الدول الأخرى ما زالت قادرة على تجنب الركود الاقتصادي.
النتائج الأولية لرفع أسعار الفائدة كانت مبشرة بانخفاض معدلات التضخم دون التأثير سلباً على معدلات التوظيف، وإن كانت علامة تحذير أن الاقتصاد يمكن أن يعود مرة أخرى إلى التضخم.
الاقتصاد يتجه نحو الاعتدال، والتضخم في طريقه إلى الانخفاض، والنتائج المترتبة على رفع أسعار الفائدة ستؤدي إلى هبوط سلس لفترة قصيرة وليس لفترة طويلة..
ينعكس ذلك كله بشكل واضح على القطاع.