تتفاوت التقديرات المرتبطة باتجاهات الاقتصاد البريطاني في العام 2024، في الوقت الذي واجهت فيه البلاد تحديات مفصلية عميقة خلال 2023، عانى منها البريطانيين بشكل واسع مع أزمة تكلفة المعيشة في ظل الضغوطات التضخمية التي تعاني منها البلاد.
وبينما لا تزال المملكة المتحدة تواجه تبعات الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإنها أيضاً مثل كثير من الاقتصادات الأوروبية تتأثر بتداعيات الحرب في أوكرانيا، وحتى التأثيرات الممتدة لفترة جائحة كورونا، الأمر الذي يجعل من لندن حالة مختلفة نسبياً ضمن الاقتصادات الأوروبية تواجه تحديات مضاعفة.
وبحسب مكتب الإحصاء الوطني، فإن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة انكمش 0.1 بالمئة في الربع الثالث من العام 2023. وقدر المكتب في السابق أن الاقتصاد لن يطرأ عليه أي تغير مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة.
وذكر المكتب في تقديراته أن الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني لم يحقق أي نمو، في تعديل نزولي عن تقديره السابق بأنه سينمو 0.2 بالمئة.
وتراجع التضخم في المملكة المتحدة- وفقا لمؤشر أسعار المستهلكين- إلى أدنى مستوى منذ أكثر من عامين، وهو تطور من المرجح أن يعزز التكهنات بأن بنك إنجلترا قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعا.
وانخفض التضخم إلى 3.9 بالمئة في نوفمبر، وهو أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2021، من 4.6 بالمئة المسجلة في أكتوبر.
وفي هذا السياق، استطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” آراء مجموعة من الاقتصاديين في لندن من أجل التنبؤ باتجاهات الاقتصاد البريطاني في العام المقبل، في ضوء المعطيات الراهنة.
عقبات متوقعة
من لندن، أكد خبير اقتصادات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
بريطانيا لا تزال تعاني اقتصادياً من آثار كورونا وتبعيات البريكسيت والحرب في أوكرانيا.
من أهم العقبات التي من المتوقع أن يواجهها اقتصاد المملكة ارتفاع تكلفة المعيشة الناتج عن التضخم، أي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.
أكثر من 10 بالمئة من العائلات غير قادرة على سداد فواتير الطاقة.
بريطانيا تصارع لتفادي ركود اقتصادي، وهو أمر صعب في ظل تضخم مرتفع هبط من 11بالمئة في ديسمبر 2022 إلى 3.9 بالمئة هذا الشهر، ولا يزال بنك انكلترا المركزي يكافح للوصول إلى 2 بالمئة من خلال أسعار الفائدة التي وصلت الآن إلى 5.25 بالمئة.
وترك بنك إنجلترا سعر الفائدة الرئيسي عند أعلى مستوى له منذ 15 عاما عند 5.25 بالمئة الأسبوع الماضي، وهو نفس المستوى الذي ظل عليه منذ أغسطس بعد نهاية ما يقرب من عامين من الارتفاعات.
ونجح بنك إنجلترا في خفض التضخم من أعلى مستوى بلغه منذ أربعة عقود، والذي كان يزيد على 11 بالمئة، لكن لا يزال أمامه طريق طويل للوصول إلى هدفه البالغ 2 بالمئة.
ولفت إسماعيل، إلى أن الاقتصاد البريطاني تقلص 0.1 بالمئة في الربع الثالث من العام الحالي وما زاد المشكلة عمقًا هو تردد المستهلك في الإنفاق، وهبوط الإنفاق في الربع الثالث من العام بواقع 0.5 بالمئة.
وذكر أن هناك عواملاً وتحديات تعرقل تحقيق نمو اقتصادي قابل للاستمرار بالمملكة المتحدة، مثل الإنتاجية المنخفضة التي لم تشهد ارتفاعًا ملحوظًا منذ عام 2007، ولكن وزير الخزينة جيريمي هانت يبقى متفائلا وينصح الشعب أن ينهي حالة التشاؤم عام 2024.
ماذا سيحدث في 2024؟
ولفت إلى أن قطاع الأعمال يطالب بخفض أسعار الفائدة التي بدورها ترفع تكلفة الاقتراض والاستثمار، وهناك آمال أن يتحسن الاقتصاد في الجزء الثاني من 2024 مع تخفيضات البنك المركزي لأسعار الفائدة وكذلك ارتفاع الأجور مع حوافز لرفع الإنتاجية وهبوط التضخم، مؤكدًا أن كل هذه مجتمعة يجب أن ترفع إنفاق المستهلكين وتحرك سوق العقارات، وفي النهاية سيكون هناك ضوء من النمو الاقتصادي في نهاية النفق المظلم.
صعوبة التخطي
فيما ذكر الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن بريطانيا ستواجه صعوبة في مواجهة الركود خلال العام 2024، مرجحًا أنه لن يكون العام الأفضل للمملكة.
وأضاف أن الارتفاعات التي حدثت في تكلفة المعيشة لازالت موجودة، وهو ما سيؤدي إلى صعوبة تخطي المملكة خطر الركود في السنة الجديدة، وذلك لعدة أسباب منها: (ارتفاع أسعار الفائدة، تباطؤ النشاط الصناعي، وأزمة الأجور).
وأشار إلى نجاح بنك انكلترا “البنك المركزي في المملكة المتحدة” في خفض نسبة التضخم من المستوى التاريخي إلى مستويات معتدلة الآن، نحو 3.9 وهو جيد بالنسبة لنسبة التضخم، لكن لا تزال نسبة الفائدة مرتفعة لذا لن نرى انخفاض فيها ما يمثل ضغطًا على المستهلك.
كما أشار إلى أن مشكلة المستهلك والأفراد الآن في بريطانيا أن الأجور لم تنمو على نفس مستوى نسبة التضخم، ما يجعل أزمة لدى المستهلك، إضافة إلى ضعف نمو سوق التجزئة. ولفت كذلك إلى أن القطاع الصناعي خلال عام 2023 كان في مرحلة انكماش طوال العام وهو نفس السيناريو في أوروبا بالنسبة للقطاع الصناعي.